سورة ص - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)}
{الملأ} أشراف قريش، يريد: وانطلقوا عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالجواب العتيد، قائلين بعضهم لبعض {امشوا وَاْصْبِرُواْ} فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد {إِنَّ هَذَا} الأمر {لَشَيْء يُرَادُ} أي: يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه، وما أراد الله كونه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر، أو إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه: أو إن دينكم لشيء يراد، أي: يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه. و(أن) بمعنى أي: لأنّ المنطلقين عن مجلس التقاول لابد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم، فكان انطلاقهم مضمناً معنى القول، ويجوز أن يراد بالانطلاق: الاندفاع في القول، وأنهم قالوا: امشوا، أي: أكثروا واجتمعوا، من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها. ومنه: الماشية، للتفاؤل، كما قيل لها: الفاشية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضموا فواشيكم» ومعنى {وَاْصْبِرُواْ على ءَالِهَتِكُمْ}: واصبروا على عبادتها والتمسك بها حتى لا تزالوا عنها، وقرئ: {وانطلق الملأ منهم امشوا} بغير (أن) على إضمار القول.
وعن ابن مسعود: {وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا} {فِى الملة الأخرة} في ملة عيسى التي هي آخر الملل؛ لأنّ النصارى يدعونها وهم مثلثة غير موحدة. أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا. أو ما سمعنا بهذا كائناً في الملة الآخرة، على أن يجعل في الملة الآخرة حالاً من هذا ولا تعلقه بما سمعنا كما في الوجهين. والمعنى: إنا لم نسمع من أهل الكتاب ولا من الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد الله. ما {هذا إِلاَّ اختلاق} أي: افتعال وكذب.


{أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)}
أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤوسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم كما قالوا: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوّة من بينهم {بَلْ هُمْ فَى شَكٍّ} من القرآن، يقولون في أنفسهم: إما وإما. وقولهم: {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} كلام مخالف لاعتقادهم فيه يقولونه على سبيل الحسد {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} بعد فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد حينئذ، يعني: أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب مضطرين إلى تصديقه {أَمْ عِندَهُمْ خَزآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} يعني: ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا، ويتخيروا للنبوّة بعض صناديدهم، ويترفعوا بها عن محمد عليه الصلاة والسلام. وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها: العزيز القاهر على خلقه، الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدله، كما قال: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف: 32] ثم رشح هذا المعنى فقال: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض} حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها ربّ العزّة والكبرياء، ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال: وإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوّة دون من لا تحق له {فَلْيَرْتَقُواْ فِي الأسباب} فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله، وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون، ثم خسأهم خساءة عن ذلك بقوله: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب} يريد: ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله، مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون. و(ما) مزيدة، وفيها معنى الاستعظام، كما في قول امرئ القيس:
وَحَدِيثٌ مَا عَلَى قِصَرِهْ ***
إلا أنه على سبيل الهزء و{هُنَالِكَ} إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله: لست هنالك.


{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)}
{ذُو الأوتاد} أصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده، قال:
وَالْبَيْتُ لاَ يُبْتَنَى إلاَّ عَلَى عَمَدٍ *** وَلاَ عِمَادَ إِذَا لَمْ تَرْسُ أَوْتَادُ
فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر، كما قال الأسود:
فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ ***
وقيل: كان يشبح المعذب بين أربع سوار: كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيه وتد من حديد، ويتركه حتى يموت. وقيل: كان يمدّه بين أربعة أوتاد في الأرض ويرسل عليه العقارب والحيات. وقيل: كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه {أُوْلَئِكَ الأحزاب} قصد بهذه الإشارة الإعلام بأنّ الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم، وأنهم هم الذين وجد منهم التكذيب. ولقد ذكر تكذيبهم أولاً في الجملة الخبرية على وجه الإبهام، ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها: بأنّ كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل، لأنهم إذا كذبوا واحداً منهم فقد كذبوهم جميعاً. وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أوّلاً وبالاستثنائية ثانيا، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص: أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشدّ العقاب وأبلغه، ثم قال: {فَحَقَّ عِقَابِ} أي: فوجب لذلك أن أعاقبهم حقّ عقابهم {هاؤلآء} أهل مكة. ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب لاستحضارهم بالذكر، أو لأنهم كالحضور عند الله. والصيحة: النفخة {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} وقرئ: بالضم: ما لها من توقف مقدار فواق، وهو ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع. يعني: إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان، كقوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَئْخِرُونَ سَاعَةً} [النحل: 61] وعن ابن عباس: ما لها من رجوع وترداد، من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة. وفواق الناقة: ساعة ترجع الدرّ إلى ضرعها، يريد: أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8